نهاية فرح
دقت الساعة السابعة صباحا,يوم جميل مشرق, الشمس ساطعة , والعصافير تغرد, والنسيم عليل, وصيحات
الأم تملأ أرجاء المنزل, هيا يا فرح استيقظي يا ابنتي, لم يبق عن محاضرتك سوى ساعتين, انهضي يا فرح, الفطور جاهز. صباح الخير جميعا, قالتها بتذمر, وكعادتها قلت يد والدها ووالدتها, وغسلت وجهها, واسنانها ثم جاءت لتناول الفطور. بهدوء تام وهي شاردة الفكر هي بينهم لكنها ليست معهم, فقد بدت واضحة عليها علامات الشرود لدرجة أنها نسيت بيدها لقمة الخبز وبقيت متنصمة, لمحتها والدتها قائلة: ما بك يا ابنتي؟ منذ شهر وأنت على هذا الحال, استيقظت من حلمها وردت: لا, لا يا أمي, لا تشغلي بالك, أنهت الفتاة طعامها بارتباك وقامت متجهة نحو غرفتها الصغيرة التي تناثرت في أنحائها الكتب والأوراق, وعلى جناح السرعة ارتدت ملابسها وهي تحدق في مرآتها متسائلة: متى سيأتي ذلك اليوم؟ ويمر الشريط نفسه نصب عينيها, مستذكرة شقيقة زميلها أحمد عندما سألتها هل تقبلين به زوجا؟ وأجابت بالقبول من غير تردد, فأحمد نعم الشاب, حسن السيرة والسلوك على مستوى الجامعة. وسبحان الله, كالبرق انتهى الفصل الأخير من دراسة فرح, وتخرجت من الجامعة بتقدير جيد جدا, وسر لها الأهل والأصدقاء. وما إن مر أسبوع على التخرج حتى كان مساء اليوم المنتظر بالنسبة لفرح, رن جرس الهاتف, إنها روعة شقيقة أحمد, فرحت الفتاة كفرح الربيع بالزهور, وردت على الهاتف وكان الخبر السعيد في حياتها, نعم فيوم غد سيتقدم أحمد وأهله لخطبة فرح. أسرعت نحو والديها وخبرتهم بما دار من حديث بينها وبين روعة, وبصوت واحد أجابا: يا الله قدم مافيه خير لنا. يسر الله الأمر على عجل, وبعد مرور أشهر على زواجهما, دقت القلوب منبئة عن قدوم طفل على الطريق. حرص أحمد على متابعة زوجته عند الطبيب المختص. مرت الشهور الواحد تلو الآخر, إلى أن أصبح عمر الجنين سبعة أشهر. وحان موعد زيارة الطبيب , وعند رؤيته لفرح استغرب متسائلا: مابك سيدة فرح, هل أنت متعبة؟ أجابت بصوت متقطع: نعم يا دكتور, أشعر بإرهاق عام في أنحاء جسمي, تكاد قدماي لا تحملاني, وأتنفس بصعوبة, وأحس بألم لم يسبق وأن احسست به من قبل. بدا القلق واضحا على وجه الطبيب, وجه أنظاره نحو أحمد قائلا: سأكتب للسيدة مجموعة من الفحوصات المخبرية, التي أرجو أن تعملها اليوم, وتعودا لي بالنتيجة غدا إنشاء الله. هزت المرهقة رأسها مبدية الموافقة على ما سمعت, وبتثاقل اتجهت نحو باب العيادة وخرجت, ومازال أحمد متصنما في مكانه محدقا في وجه الطبيب وتعابير وجهه, وبترد قال: أنا لست مطمئنا لحالة زوجتي يا دكتور. فأجاب: لا تستبق الأحداث يا أحمد, يغير ما في الظنون, ويخيب توقعاتي. دب الرعب في قلب أحمد, وبدأت الأفكار تتخابط في رأسه, لا يعرف ماذا يفعل, أو ماذا يقول. أخذ أحمد زوجته المتعبة مسرعا بها إلى أقرب مختبر لتحليلات الدم, وأخذت العينات من الزوجة, وأخبرهم المسؤول أن النتائج ستكون جاهزة يوم غد. وعلى كومة من الجمر انتظر الزوجان الموعد بفارغ الصبر وعلى غير هدى انطلقا في الصباح نحو المختبر. صعد أحمد وحده وبقيت فرح تنتظر في السيارة, وبدون أي مقدمات ولا حتى تحية, بادر أحمد امسؤول المختبر بالسؤال: هل الفحوصات مطمئنة؟ فرد المسؤول: توكل على الله واذهب الى طبيبها المختص. حمل الزوج مغلف النتائج وطار على الدرج, ركب سيارته وبلا وعي انطلق إلى الطبيب, دخل الزوجان العيادة, وسلم أحمد الأمانة إلى صاحبها وبدأ يتنفس الصعداء. فتح الطبيب المغلف, أخرج الورقة الأولى, بدأ القراءة وبدأت حواجبه بالارتفاع والنزول وقد اكفهر وجهه, أخرج بقية الأوراق, طالعها بتمعن, تغيرت معالم الطبيب, برزت عروقه, وسمع صوت شهيقه وزفيره, وبدأت أنهار من العرق تجري على وجهه المحمر لم يقو على مسحها. ارتعب أحمد الذي لايزال شاخص البصر في الطبيب, وبصوت يرتجف وشفاه متباعدة نطق أحمد: طمئنا يا دكتور, إن شاء الله خيرا؟ صعق الطبيب من سؤال أحمد, ورجع قليلا إلى الخلف ليلقي بنفسه على الكرسي, مصوبا أنظاره باتجاه الأرض كأنه يراقب نملة. نادى الطبيب على الممرضة, وأمرها أن تصطحب السيدة فرح إلى غرفتها لقياس الضغط. بصوت متحشرج قال الطبيب لأحمد: لا أعرف ماذا أقول لك, ولا من أين أبدأ لكنا مسلمون, مؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره, ولا تقنطوا من رحمة الله.............. لم تعد قدما أحمد تحملانه, خارت قواه وانهارت أعصابه واغرورقت عيناه بالدموع سائلا: مالذي تعنيه يا دكتور؟ هل زوجتي مصابة بمرض خطير؟ انسى الجنين لايهمني, المهم عندي زوجتي. تأثر الطبيب من كلام أحمد وقال: إنه .... إنه ...... وسكت. يا دكتور يكاد قلبي يتوقف تكلم أرجوك, إنه ماذا؟؟ لم يقوى الطبيب على كتم السر أكثر من ذلك وصرح: إنه الخبيث يا أحمد, زوجتك مصابة بسرطان الدم الخبيث, ولا حول ولا قوة إلا بالله, زوجتك والطفل في خطر, وبقاؤه يشكل خطرا أكبر.قصف أحمد محتويات المكتب بيمينه صارخا: لا يهمني الجنين, المهم عندي زوجتي, يا الله ........... لا اعتراض على حكمك يا رب.......... وكطفل فقد أمه صار يبكي بحرقة وألم. وبدأ يعود بذاكرته إلى الوراء والدموع حفرت وديانا على وجنتيه الحزينتين. اسودت الدنيا بعينه, خابت آماله واندثرت أمنياته, لكنه.......... حكم القدر الإلهي. قرر الطبيب إجراء عملية قيصرية للسيدة الحزينة التي لاتعرف حقيقة مصابها الجلل, ولا تعرف أن جنينها المستقر في أحشائها سيستقر بعد ساعات مع والدته تحت الثرى .......... فسبحان من بيده ملكوت كل شيء...................................... ونحن أقرب إليه من حبل الوريد
مع تحيات المعلمة سلام الششتاوي