1. ذبول زهرة حياتي
بقلم الواثق المجتهد يخط في أعلى ورقة الامتحان ( اللهم لا سهل
إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الصعب إذا شئت سهلا ). وبعزم
لاينضب يجتاز امتحاناته الواحد تلو الآخر , ولكل منها قصة نجاح
وتميز, يسطرها أحمد على جدران حياة والديه الذين رزقا به بعد
تسعة أعوام لزواجهما , وحان موعد الفرح الأكبر , والنصر
الأعظم , فقد أنهى أحمد سنوات دراسته الجامعية, مخلفا وراءه
ذكرى عطرة نسخها في عقول من عرفوه من مدرسين وزملاء ,
إنه حقا يستحق لقب الطالب المثالي في الجامعة فقد رسم التفوق
على محياه نجما ساطعا وطبع الخلق الكريم على روحه الجميلة
اروع المزايا واليوم ستقر عين ابي أحمد ويرقص قلب أمه التي
لطالما حلمت بتخرج وحيدها من الجامعة ومناداته بالمهندس أحمد
يا الله كم انتظرت هذا اليوم الحمدلله الذي اطال في عمري لأراك
مهندسا يا ولدي رددت هذه العبارات وقد اغرورقت عيناها
بالدموع دموع الفرح لكنها لم تكن تعلم بأنها على موعد مع القدر
الذي سيغير مسار هذه الدموع........ بدأ أحمد باستقبال المهنئين
والمهنئات من أقاربه فأجواء الفرح تحط في المكان كعصفور حط
على غصن مياس, والبيت يعج بالزينه, والأضواء الملونه وصلت
بالكهرباء قبل أن تغيب الشمس, والمشروبات تزدحم على رفوف
الثلاجة مصطدمة بالحلويات, وفي ساحة قرب المنزل السعيد,
نصب صيوان كبير لسهرة الشباب وقد تسطرت المقاعد على
جنباته ,وتركت مساحة في وسطه للرقص والدبكة , وأحمد في
قمة السعادة وكأن اليوم حفل زفافه لا حفل تخرجه . سأل أمه :
اين والدي؟ قالت : أنه ينتظرك في السيارة أسرع يا حبيبي لئلا
تتأخر على موعدك مع البرنس, تناول أحمد محفظته وقبل يد
والدته, وأسرع نحو السيارة قائلا : اعذرني يا أبي فقد طال
انتظارك والشمس محرقة, فرد الأب متبسما : لا عليك يا ولدي,
يامن فيك أثلج صدري, وزال همي, وكمل فرحي , انطلقا وبتمهل
وسط الازدحام الشديد عند الاشارات الضوئية ومراقبي السير,
إلى أن وصلا إلى صالون البرنس, وهو صالون ابي باسم
الحلاق, صديق العائلة المقرب وجار الرضا قديما, فاستقبلهما
بابتسامة عريضة وبالأحضان ,قال أبو أحمد : إن ابني اليوم
عريس يا أبا باسم, و أريدك أن تزينه أحسن زينة ,فتعجب البرنس
قائلا : أتزوج ولدك دون أن تدعوني لحفل زفافه ؟ فرد ضاحكا : يا
رجل ,اليوم حفل تخرج المهندس أحمد من الجامعة. فتح ابو باسم
ذراعيه, وضم أحمد بقوة, مبارك يا بني ,قد كبرت يا أحمد
وأصبحت مهندسا ,سبحان الله تمر السنين كلمح البصر, اجلس يا
عريس يا زينة الشباب. جلس احمد واغمض عينيه مسلما رأسه
للبرنس صاحب الأصابع الذهبية مطلقا العنان لأحلامه , تأخذه
بعيدا نحو المستقبل المشرق , وبقي مسافرا إلى أن أوقفه البرنس
بعبارات الإطراء التي أهالها على مسامعه فدهش أحمد عندما رأى
نفسه بالمرآة, وعبر عن شكره الجزيل لصديق والده الحميم ,
قفزت عيون الأب نحو ابنه راقصة , ما شاء الله عليك يا أحمد عريس, فرد أحمد ضاحكا : العريس يطلب من والده مفاتيح
السيارة, ضحك الوالد راميا المفاتيح على أحمد الذي تحول
لحظتها إلى حارس مرمى برشلونة , والتقفها باحتراف, ومضيا
متجهين نحو المنزل الذي امتلأت أرجاؤه بالأقارب , وذلك بناء
على تصريحات صادرة عن مصدر موثوق بالبيت, وهو المراسلة
الصحفيه السعيدة أم أحمد. قاد أحمد سيارته بتمهل وسط ازدحام
المارة , السيارات في جميع الاتجاهات, وهاهي الاشارة الضوئية
تلوح لأحمد عن بعد بلونها الأخضر, أن تفضل يا أحمد ولا تتوقف
رافقتك السلامة , ومضى وإذا به يلمح من أمامه صهريجا لنقل
المواد المشتعلة, يتراقص في جنبات شارع الحزن ...مابه ؟ احذر
يا ولدي, يبدو أنه فقد السيطرة على الطريق, احذر يا أحمد,
.......انتبه يا ولدي .....رباه انجدنا........ لكن الدعاء والحذر
لايمنعان القدر, ( وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) .
يا الله... يا الله ... يا الله ... كانت هذه آخر أقوال أحمد ووالده, قبل
أن يجثم الصهريج المشتعل فوق انفاس السيارة المرهفة, مجهزا
عليها في التو واللحظة ,واستقرت السيارة بين انياب الصهريج,
والأرواح قد استقرت عند بارئها, وقد تناثرت الاشلاء المسكينه
هنا وهناك, وجرت انهار الدماء في شارع الحزن الأسود ....
عندها, أيقنت الأم المهزومة أن قبلة أحمد على يدها في ذلك اليوم
كانت قبلة الوداع الأخير, وأنها ستعيش منتظرة العزيز والأعز
إلى أن يحين أجلها, فالفرحة اختطفت ,والبهجة اغتيلت ,والأمل
قد تحطم واندثر, وزهور العمر قد ذبلت .. وذبلت .. وذبلت .
قصة قصيرة
تأليف معلمة اللغة العربية سلام محمود الششتاوي