نفر العرب من الإسهاب في الكلام ، وذموه وأحبوا الإيجاز ، وأثنوا عليه فقال ابن عبد ربه في العقد الفريد في هذا الصدد :
إذ كان أشرف الكلام كلِّه حسنا وأرفعه قدرا ، وأعظمه من القلوب موقعا ، وأقله على اللسان عملا ما دل بعضه على كله ،
وكفى قليلة عن كثيره ، وشهد ظاهره على باطنه ؛ وذلك إن تقل حروفه وتكثر معانيه .. ومنه قولهم :
رب إشارة ابلغ من لفظ..
إما الإسهاب ، والإكثار في الكلام فقد طعن العرب عليه ، حتى أن بعض الصحابة قال فيه :
أعوذ بالله من الإسهاب ! وقيل له : وما الإسهاب ؟ قال : المسهب الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقر ،
ويشول به شولان الرّوْق ( الباقر : جماعة البقر . الروق : القرن والرمح ).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبغضكم إلي الثرثارون المتشدقون ( أهل الإكثار والتقعير في الكلام ) .
والتوقيعات : هي التعليقات الموجزة على الرسائل والمخاطبات التي ترد إلى الخلفاء والأمراء وقادة الجيش
والخطباء ونحوهم ؛
مثلا ، تكلم ربيعة الرأي فأكثر وأعجبه إكثاره ، فالتفت إلى أعرابي إلى جنبه ،
فقال له : ما تعدّون البلاغة عندكم يا أعرابي ؟ قال له : حذف الكلام وإيجاز الصواب .
قال : فما تعدون العـِيّ ؟ قال : ما كنت فيه منذ اليوم . فكأنما ألقمه حجرا .
من التوقيعات
• كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب في بنيان يبنيه ،
فوقّع عمر في أسفل كتابه : ابن ِ ما يُكنّك من الهواجر وأذى المطر .
• ووقّع إلى عمرو بن العاص : كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرُك
وأوقع قائلة : دمتم ألسنة تصدح بالحق .